ترجمة غير رسمية لكلمة السيد السفير في حفل الاستقبال بمناسبة نصر السادس من أكتوبر

السيدات والسادة،

العميد بحري مدكور،

السادة أعضاء القوات المسلحة المصرية،

الضيوف الكرام،

أتوجه إليكم جميعاً بالشكر على حضوركم اليوم لتقديم التقدير الواجب لواحدة من اللحظات المحورية في التاريخ المصري: العيد الخمسون للقوات المسلحة المصرية، والذي يخلد ذكرى نصر السادس من أكتوبر 1973. إن تلك اللحظة لا تقف قاصرة عند كونها تغمر قلوبنا بمشاعر الفخر، ولكن صداها يتردد في العالم كله، باعتبارها تجسيداً لمرحلة تحول من فقدان الأمل إلى اكتمال الرجاء. خمسون عاماً مضت، وشعبنا لم يكتف بالدفاع عن سيادته وسلامة أراضيه، ولكنه أبحر أيضاً في مسارات اكتشاف مستقبل يملؤه السلام.

وإلى القوات المسلحة المصرية، التي هندست وكانت وراء هذا النصر، اقول لكم أن امتنانا لكم تعجزه الكلمات. إن حميتكم وغيرتكم على الوطن، والحنكة الاستراتيجية، والبراعة الاستثنائية والدراية العملية لم تتضافر فقط لتحمي مصر أرضاً وشعباً، ولكنها وضعت الأسس الواجبة للمستقبل الذي أمكن من خلاله للتقدم وللتنمية أن يزدهرا في ربوع هذا الوطن، وفتحت المجال أمام إثراء حياة كافة أبناء هذا الشعب، ناهيك عن تأمين المسار المرجو نحو الرخاء والتقدم لأجيال وأجيال.

واليوم، فإن هذه الخواطر والمشاعر الاحتفالية لا ينتقص منها سوى الأزمة المفزعة في غزة، حيث استشهد 11 ألفاً من المدنيين في مجازر يومية، وجلهم من النساء والأطفال. إن عدم الاكتراث لحرمة الحياة الذي نراه، والتجاهل لمقتضيات القوانين الدولية، بل وللحد الأدنى من قيم الإنسانية والكرامة واللياقة، إنما يفرض ضرورة التحرك الفوري لوقف هذه المأساة.

لزاماً علينا جميعاً أن ندين الخسائر في أرواح المدنيين الذين قضوا نحبهم في حملة انتقامية غاضبة وعشوائية وغير متكافئة. فمع وجود 30 ألف مصاب ونزوح ما يقرب من نصف أهل القطاع بشكل قسري، فلا يستقيم أن نخمد ضميرنا الإنساني الحي وأن نتجاهل مسئوليتنا الجماعية للمناداة بوقف فوري لكافة الأعمال العدائية والدفع بوقف فوري لإطلاق النار.

إن مفهوم “الدفاع عن النفس” يبدو مفهوماً أجوف في وجه هذا الاستبداد اللعين، وفي وجه هذا الموت وهذا الدمار، فضلاً عن كونه تطبيقه بهذا الشكل لا يمكن تبريره عندما يتصل السياق بأرض محتلة أو أراض محاصرة! إن الدعوة لوقف إطلاق النار بشكل فوري لا ينبغي أن يكون موقفاً تفاوضياً، ولكنه حتمية أخلاقية!   كما أن المساعدات الإنسانية لقطاع غزة غير المقيدة والآمنة والمستدامة ينبغي أن تتدفق بشكل فوري دون أي عوائق من خلال المعابر المختلفة للتخفيف من المعاناة التي تعجز صرخات الألم عن وصفها، وللتخفيف من وطأة الغضب والألم والحزن التي باتت غالبة على الشعب النازف في غزة.

وكما تشي وقائع الأمور، تقف مصر بحزم ويقظة إزاء دائرة العنف والدمار التي تكشف عن نفسها شيئاً فشيئاً. ولكنها بجانب ذلك الحزم، فإنها لا زالت تدعو إلى السلام، وتعمل على تيسير نفاذ المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، وتضمن المرور الآمن للمواطنين الأجانب. إن تلك الأفعال التي تنم عن قيادة واعية، إنما تعكس محاولاتنا لمنع انزلاق الشرق الأوسط برمته إلى هاوية مظلمة والتي ستتضاءل إلى جانبها، لا سمح الله، مآسي الوضع الحالي.

ولا زالت مصر تواصل التحذير من مخاطر خنق آمال وتطلعات شعب بأكمله. ولذا أكدنا باستمرار أنه عندما تتحطم الأحلام، وتسحق التطلعات، وتسكت الأصوات، فإن تلك الأيادي والحناجر لن تجد أمامها من طرق التعبير سوى أكثرها مأساوية واضطراباً. ولن تستطيع جدران الاحتلال أن تمنع صرخات الشعب المضطهد من أن يتردد صداها.

إن محنة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ أكثر من سبعة عقود من الاحتلال، والتي خبر الشعب الفلسطيني خلالها ممارسات شملت التوسع الاستيطاني وإخلاء المنازل وهدم الصروح (المنازل والمساجد والكنائس والمستشفيات والمدارس)، ومصادرة الأراضي والاستيلاء عليها وتسويتها، بالإضافة إلى السياسات والممارسات الاستفزازية التي لم تتوقف، تعزز حتماً من روح المقاومة الغاضبة والشرسة، وتغذي وللأسف دائرة من الكراهية والعنف والتطرف. إن الأحداث التي نشهدها اليوم تذكرنا بأن السلام الدائم لا يمكن الاستدلال عليه بصمت فوهات البنادق فحسب، ولكن ما يشهد على وجوده في حقيقة الأمر هو شيوع العدالة وسيادتها!

ومن ثم، فبصفتي الاعتبارية كسفير مصر لدى الولايات المتحدة، فإنني أناشد المجتمع الدولي للوقوف معنا. دعونا نستنهض روح السادس من أكتوبر، عندما نهضت مصر لتنفض عنها غبار المعارك، وتتجه إلى مستقبل مشرق تنتصب أركانه ليس فقط على قواعد من السلام والازدهار والتقدم، ولكن قبل كل شيء، على الكرامة الإنسانية.

ولعله من نافلة القول أن نذكر أنه لا زال في المتناول أن تتضافر جهودنا سوياً لرصف طريق يقودنا نحو سلام قوي وعادل ودائم وشامل؛ هذا الطريق يبدأ بوقف إطلاق النار، حتى يمكن تتويجه نهاية بمستقبل يسمح للجميع بأن تُحترم حقوقه ويُعترف بها، إنه ذلك المستقبل الذي يصبح للشعب الفلسطيني فيه حق تقرير مصيره على النحو الذي يكفله له الجميع بالاحترام الواجب.

فلتكن هذه الذكرى الخمسون ليس مجرد احتفال بانتصارات الماضي، بل حافزًا ملهمًا لعصر جديد من التعايش والسلام.

تحيا مصر!